1021627
1021627
عمان اليوم

المفتي العام للسلطنة: المسلم عليه أن يفرق بين الزائف والصحيح فلا يتقبل كل شيء

24 أكتوبر 2018
24 أكتوبر 2018

في الجلسة الفكرية بمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم -

كتب- سالم بن حمدان الحسيني :

أكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أن على المسلم أن يتابع الأحداث والتغيرات وما يستجد من مفاهيم علمية، ويجب عليه كذلك أن يفرّق بين الزائف والصحيح، فلا يتقبل كل شيء، وألا يتقبل الشيء على ما فيه من علات.. ولكن عليه أن يعرض كل شيء على نصوص القرآن الكريم بما في ذلك النظريات العلمية، فما كان متفقا مع نصوص القرآن الكريم تقبله، وما كان مصطدما معها رفضه، وما كان لا هو متفق ولا هو مصطدم ليس عليه ما يدل من القرآن سكت عنه وانتظر حتى تكشف عنه تجارب الحياة، هل هو صحيح أم غير صحيح؟، وهكذا يجب أن يتعامل المسلم مع كل انفتاح في هذا العالم.

وأضاف سماحته قائلا في الجلسة الفكرية التي نظمها مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم تحت عنوان «البناء الفكري لشخصية الفرد» التي أقيمت بالقاعة الكبرى بالمركز الثقافي بجامعة السلطان قابوس مساء أمس: إن الإسلام ربى اتباعه على الانفتاح على ما يجري في العالم، وإن الإنسان يجب عليه ألا يتقوقع على نفسه ويحبسها في محيط ضيق بحيث يعيش في صومعة بعيدا عن كل ما يحدث وعن كل ما يطرأ في العالم، مبينا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما كان بمكة المكرمة والمؤمنون قلة وهم محاصرون يحاط بهم من كل جانب وتصب على رؤوسهم المصائب صبا، وهم مستهدفون بكل أذى في ذلك الوقت نجد أن الله سبحانه وتعالى ينزل قرآنا يُتلى إلى أن تقوم الساعة ليخبر المؤمنين بحدث عظيم وقع في العالم المتحضر بين دول كبرى، ما كانت هذه الدول يمتد نفوذها إلى ذلك المحيط الذي كان يعيش فيه المسلمون بل كان نفوذها بعيدا عن ذلك المحيط الضيق الذي كان يعيش فيه المسلمون، ولكن مع ذلك جاء القرآن الكريم ليخبر المسلمين بما أدى إليه الصدام بين دولتين كبريين كانتا تتقاسمان معظم العالم المتحضر في ذلك الوقت إذ أنزل الله سبحانه على نبيه صلى الله عليه وسلم: (غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) ... مبينا سماحته أن الله سبحانه وتعالى أنزل هذه الآيات على النبي -صلى الله عليه وسلم- في العام الخامس من بعثته في المجتمع المكي ليخبر المسلمين بهذا الحدث، وما ذلك إلا ليهيئ المسلمين لأن يكونوا أمةً عالميةً يقودون البشر إلى الخير ويتابعون ما يجري في هذا العالم الفسيح؛ من أجل الوصول إلى الغاية والمسؤولية الكبرى التي سينوؤون بها، وهي مسؤولة عن إخراج الناس من الظلمات إلى النور..

وأوضح سماحته قائلا: إن الإنسان المسلم إنما ينظر بعين الله سبحانه وتعالى فيقيس كل شيء بمقياس الحق ويزن به موازين القسط ويعطي كل شيء حقه، وبجانب كون هذا الإنسان لا يخلو من أحاسيس ومشاعر تحرك ما كمن في نفسه إلا أنه مع ذلك إنما يؤطر هذه الأحاسيس وهذه المشاعر في إطار الفكر، وهذا الذي سار عليه السلف الصالح، مبينا سماحته أنه عندما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذه الإنسانية بأمر الله سبحانه وتعالى راعى فيها جوانب عدة، فلم يتجاهل ما في الإنسان من وجدانيات وأحاسيس، ولكن مع ذلك إنما جعل الفكر الصحيح هو الأصل الثابت والإنسان يحيا ويموت من أجل هذا الفكر، وبهذا تكون حياة الإنسان حياة بعيدة عن النشاز والاضطراب عندما يكون هذا الفكر مستلهما من المنابع الصافية الرقراقة التي لا يشوبها شيء، عندما يكون مستلهما من كتاب الله سبحانه وتعالى، ومن سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- مع استخدام العقل في استلهام ما يدل عليه الكتاب ما تدل عليه السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

وأشار إلى أن الفكر الإسلامي الصحيح قائم على أن الإنسان عبد لله سبحانه وتعالى وأن الله تعالى وحده له السلطان المطلق في هذا الكون كله، فكل ما بالإنسان من نعمة إنما هي من عند الله تعالى ... (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)، وكل شيء مهما كان غلاؤه إنما يقدم رضوان الله سبحانه وتعالى عليه فتؤثر طاعة الله على هوى النفس الذي يجذب إليه، موضحا أن الفكر الذي يجب أن نصوغ بمقتضاه حياتنا، وأن نربي عليه أولادنا، وأن نوجه إليه كل من نوده ويودنا، بل أن نوجه إليه الإنسانية بأسرها هو هذا الفكر وهذا المنهج وهو أن تكون العبودية لله سبحانه، مبينا أن الإنسان مهما رقى في مراتب العز والشرف في هذه الدنيا فإنه لا ينفك عن هذه العبودية لله، ولذلك يظل عبدا لله عز وجل، وخير ما يتشرف به أن يكون عبدا لله.

وقال سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي في الجلسة الحوارية: إن الفكر الأساسي هو من عند الله وما كان من عند الله فلا يمكن أن يمتد إليه النقد أو أن يصل إليه التغيير، وما كان من عند الله يجب أن يسلم له تسليما، حتى الأوامر في القضايا الفرعية ما يأتينا عن الله، وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- ليس لنا فيه خيار.. (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)، مبينًا أنه يمكن أن ننقد التصور المبني على الخطأ من أساسه، ولذلك يجب النظر في مقومات التصور، فعلى أي شيء يقوم هذا التصور؟ حتى نعلم صحيحه من سقيمه، وصوابه من خطئه، وأما ما كان من الأمور التي دون هذا المستوى بحيث تكون مستقاة من أدلة ظنية في ثبوتها كالأحاديث الأحادية فهي في المستوى الظني وليست في المستوى القطعي، وكذلك ما كانت الدلالة عليه بغير طريق القطع، بغير النصية بأن يكون الأمر ظاهرا فحسب، فالظاهر هو ليس في مستوى النص، وإنما هو يدل على ما يتناوله لفظه بطريق الظن، لا بطريق القطع فيؤخذ به من غير أن يكفّر أو يفسّق أو يبدّع من خالفه إن كان في هذه المخالفة غير عادل عن الكتاب والسنة إلى هوى النفس، وأما الذين يعدلون إلى هوى النفس ويتبعون المناهج التي تتفرق بهم عن سبيل الله سبحانه وتعالى فهؤلاء عبدة أهواء وليسوا عبدة للحق، لا يلتزمون الحق في شيء، فلذلك علينا أن نفرّق بين اتجاه واتجاه.